يعتبر موقع “حمى” التاريخي الأثري الذي أدرج على لائحة التراث العالمي في منظمة اليونسكو، سادس موقع سعودي ينضم إلى هذه اللائحة.. وفي لقاء إذاعي متخصص مع الباحث والمؤرخ السعودي صالح بن محمد بن آل مريح في إذاعة مونت كارلو الشهيرة، تحدث “آل مريح” عن موقع “حمى”؛ مبينًا أهميته كنقطة الْتقاء للقوافل بفضل موقعه في منتصف الطريق بين وجهات سفر عديدة، ويتميز بوجود المياه العذبة فيه ووجود منقوشات ورسومات محفورة في الصخور قديمة جدًّا تعطي صورة عن الحياة كما كانت قديمًا في الموقع، وتوثق تاريخًا إنسانيًّا يتمحور حول عادات وتقاليد حِقَب متعددة شهدتها المملكة.
تقع “حمى” شمال منطقة نجران، وتبعد عن المدينة حوالى 120كم، وهي موقع يحتوي على العديد من الكتابات والرسوم الصخرية والعبارات التاريخية، وسجلت على قائمة التراث العالمي باليونسكو، وهذه المواقع تعود إلى 4 آلاف سنة قبل الميلاد، مرت بعدة فترات تاريخية مختلفة إلى أن جاء وقت تسجيلها وهي من المواقع المهمة جدًّا.
يقول “آل مريح”: إن العمل على هذا الملف استمر لمدة أكثر من 5 سنوات بمساعدة قيادات علمية من بعض دول العالم، ومنها فرنسا، وهذا التسجيل يعد الموقع السادس من المواقع بالمملكة العربية السعودية التي سجلت على قائمة اليونسكو؛ مما يدل على أن المملكة العربية السعودية على بُعد تاريخي وحضاري كبير جدًّا، وتعود إلى فترات قديمة منها العصور الحجرية وعصور التاريخ وعصور ما قبل التاريخ وعصور الإسلام وعصور ما قبل الإسلام.. هذه المواقع نفخر جميعًا بأنها سجلت في المملكة.. وحمى نجران هي المنطقة التي كنت أعمل بها مديرًا عامًّا للتراث الوطني.
كما يلفت “آل مريح” إلى عدد المواقع، ويقول: إن المعروف لدينا أن المواقع عددها 34 موقعًا؛ لكن داخل كل موقع 20 أو 30 نقطة أثرية؛ فلو حسبنا مجموع هذه المواقع في المنطقة؛ نجد 143 موقعًا، وهذه المواقع كانت مقرًّا للقوافل التجارية التي تأتي من جنوب وشمال الجزيرة العربية، وتستقر في “حمى” بحكم وجود مصادر المياه “الآبار السبعة” الموجودة بها، وعندما يلتقون في “حمى” تتجه إلى خطين تجاريين؛ أحدهما إلى مدينة الفاو الأثرية، ثم إقليم اليمامة وإقليم البحرين وبلاد الرافدين، ثم بلاد فارس.. والخط الآخر يتجه إلى بلاد الحجاز مرورًا ببلاد الشام وبلاد مصر؛ فحمى ملتقى القوافل التجارية، وبلا شك عندما تستقر القافلة يقوم أصحابها بتذكير ذكرياتهم على وجهات الصخور.
وعن النقوش النادرة والغريبة في “حمى” قال “آل مريح”: إن هناك نقوشًا للملوك ونقوشًا لنساء يقمن بحركات؛ فنقوش الملك يوسف الذي يعد آخر ملوك مملكة حمير، وهذا الملك غزا نجران؛ وبالتحديد موقع الأخدود الأثري، وهذه الرسوم الموجودة في “حمى” تحكي بعض ما حدث في الغزو من قتل ومعارك شرسة بين الملك وسكان منطقة نجران، وهذه موجودة في صخرة من الصخور في حمى مكتوبة بالخط المسند، ويسمونها لغة عرب الجنوب، وهناك نقوش أخرى يسمونها السمودي. ويرى بعض المؤرخين أن المسند لغة الحاضرة، والسمودي لغة البادية.. أيضًا هناك رسوم لفتيات ونساء بكامل الطول والعرض وبنفس الحجم الطبيعي، موجودة على عدد من الصخور، كما أن هناك صورًا للحيوانات وخاصة الجمال والغزلان والفيلة.
وتدل هذه الصور والرسوم على حضارة قائمة على علم ورقيّ في التفكير؛ فالملابس لم تتغير عن العادات العربية؛ فهي موجودة إلى يومنا، وكذلك رسوم السيوف والدروع والخوذ تدل على أن هناك فرسانًا وشجعانًا، وهناك نساء واعيات يشاركن حتى في الفن الشعبي.